قبل قراءة هذا الموضوع، سيكون من الضروري الاطلاع على الموضوع السابق له: راحة القلب/مفاهيم حول القضاء والقدر(1)
سنجيب هنا عن ست أسئلة وهي:
- هناك نصوص تفيد بأن من يصل رحمه، ينسأ له في أثره ويمد له في عمره فهل يعني هذا أن القدر يتغير؟
- كيف نفهم قول الله تعالي ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام)، وأن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء. إذا كانت الهداية والإضلال بيد الله، فكيف أحاسب أنا عليها؟
- روى الإمام البخاري في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) فما جدوى العمل الصالح إذا كان لا يجدي وسيسبق علينا ما جاء في الكتاب إن كنا من أهل الجنة أو النار؟
- لماذا يحاسبنا الله في أمور قدرها علينا وكتبها في اللوح المحفوظ وهو من حدد أهل النار وأهل الجنة سابقا؟
- هل تسجيل كل شيء في اللوح المحفوظ يعني أن الإنسان مقهور على أداء ما كتب فيه ؟
- لو أننا اتفقنا أن الحياة اختبار، فلماذا يختبرنا الله طالما أنه يعرف النتائج؟
ولكن هناك تنبيهان مهمان جدا في البداية التنبيه الأول
•ركن القضاء والقدر وما يدور حوله من أسئلة هو من أركان الإيمان فلابد من تعليمه وغرس مفاهيمه لأبنائنا جميعا.
لكن هناك طريقتان لذلك.
•الأولى: إذا كان الطلاب في سن صغير أو سنا أكبر لكن لم تثر لديهم أسئلة وشبهات حول القضاء والقدر.
هؤلاء سندرس لهم المحتوى الخاص بكل سؤال لمعرفة ما فيه من معلومات ومفاهيم وقناعات دون ذكر السؤال.
•الثانية: أن يكون السؤال طرأ بالفعل على عقولهم وهو شيء طبيعي جدا. فساعتها نضع السؤال ثم نسير معهم بالمحتوى المعد للطريق الذي يوصل للإجابة والاطمئنان.
التنبيه الثاني
•لا نبدأ في تدريسه إلا بعد تثبيت الإيمان بالله ومحبته ورسول الله ونبوته والقرآن و كونه وحيا من عند الله لم يمسه تحريف ولا تشويه.
•فإذا ثارت الأسئلة عند طلابك قبل استيفاء الخطوات السابقة أخبر طلابك:
من حقك أن تسأل
سؤالك له إجابة
الإجابة تسير في خطوات مرتبة لا يمكن أن تسبق إحداها الأخرى. كما لا يمكن للطالب أن يقوم بعمل القسمة والمعادلات الحسابية من جمع وطرح وضرب دون أن يتعلم الأرقام وجدول الضرب وطريقة العد. فلا يمكنك أن تفهم القضاء والقدر قبل أن تعرف الله ورسوله وحقيقة القرآن.
وسيكون واجبا عليك كمعلم أو مربي في هذا الوقت، أن تقوم بتحقيق التأسيس اللازم ( عن الإيمان بالله والرسول والقرآن) ثم تدريسهم ركن القضاء والقدر بما فيه من معارف ومفاهيم وقناعات وتطبيق.
إجابات الأسئلة الست حول القضاء والقدر
لو كنت بين زملائك وأردت أن تعرض عليهم الأسئلة وتساعدهم للوصول للإجابات، فمن الممكن طباعة كل سؤال والإجابة عنه بشكل منفصل عن بقية الأسئلة. قسم زملائك إلى مجموعات وكل مجموعة تقرأ أحد الاسئلة وإجابته. نعطي لكل مجموعة فرصة للبحث الإضافي عن إجابة السؤال.
بعد ذلك نقوم بإعادة توزيع المجموعات بحيث في المجموعات الجديدة بحيث تكون كل مجموعة جديدة بها أحد الأعضاء من كل مجموعة من المجموعات التي تشكلت في البداية. أي أن كل عضو سيكون قد قرأ أحد الأسئلة. في المجموعة الجديدة. سيقوم كل عضو بشرح سؤاله الذي بحث فيه حيث يعتبر الخبير في هذا السؤال.
سؤال (1) هناك نصوص تفيد بأن من يصل رحمه، ينسأ له في أثره ويمد له في عمره فهل يعني هذا أن القدر يتغير؟
- قبل أن نجيب على هذا السؤال، فلنفكر سويا في المشكلة التالية. فحل المشكلات باختصار له 3 خطوات. توصيف المشكلة بدقة- بحث البدائل المختلفة للحلول- دراسة عواقب هذه البدائل- اختيار خطوات الحل بناءا على البدائل:
سأحكي لكم بداية قصة ومطلوب من كل منكم أن تضع لها نهاية ومسارا مختلفا.
كان هناك شاب في ال 18 من عمره. توفي والده. صديقنا لديه 3 أشقاء أصغر منه ووالدته مريضة. تحتاج والدته لجراحة مكلفة جدا وأشقاؤه صغار. لا يوجد لديهم مدخرات وهو بحاجة لمبلغ كبير بشكل عاجل حتى ينقذ أمّه من الموت ويتمكن من توفير العملية الجراحية لها.
كيف يتصرف؟
– بعض الاحتمالات للإجابات:
يمكنه أن يذهب ليقترض من أهل أو معارف
أن يذهب للجمعيات الخيرية طلبا للمعونة
أن يسرق
أن يهرب من عائلته
أن يبحث عن عمل ممن يقبل أن يعطيه أجرا مقدما.
لو كنت مكانه فأي الحلول تختارين ولماذا؟
والآن، من يكتشف الرابط العجيب بين القصة السابقة، والصورة التالية



الجواب: هنالك قدر مثبت مكتوب في اللوح المحفوظ، وهنالك ما يسميه العلماء بالقضاء المعلق، وهو ما علق وقوعه على شيء، مثل الزيادة في العمر إذا وصل الإنسان رحمه، كأن يقدر له إن وصل رحمه أربعين سنة، وإن لم يصل رحمه ثلاثين سنة، وهو بالنسبة إلى غير الله معلق حيث سبق في علم الله كيف سيتصرف هذا الإنسان. أما بالنسبة للملك الموكل بقبض الأرواح، أو كتابة الآجال، أو الأرزاق، فيمكن تغييره، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ[الرعد:39].
وعليه يمكن تغيير القدر بأمور وردت بها النصوص كصلة الرحم وبر الوالدين وأعمال البر والدعاء، والدعاء أقوى الأسباب في رد القدر، كما في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها. فقد جعل الله الدعاء سببا لرد البلاء وجعل البر سببا لزيادة العمر وهكذا. وقد بنى الله عالمنا على الأخذ بالأسباب.
سؤال(2) : كيف نفهم قول الله تعالي ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام)، وأن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء. إذا كانت الهداية والإضلال بيد الله، فكيف أحاسب أنا عليها؟
- قبل أن نجيب عن هذا السؤال فلنشاهد هذا الفيديو:
ما هي أهم صفة تقف خلف كلمات هذا الشاب؟ ما هو تعليقكم على ما يقول؟
السر في حديث الشاب أنه صاحب قرار وعزيمة على التزام كل ما يرضي الله.
إن الهداية التي يقدمها الله للعباد هدايتان:
الأولي قدمها لكل البشر تشرحها الآية الكريمة (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (172) سورة الأعراف
بمعنى أن الله غرس في فطرة سيدنا آدم وكل ذريته من البشر المعرفة به. وليس هذا بغريب الآن ونحن نسمع عن كيف تبرمج الأمهات الحوامل أجنتهن بالقراءة لهم وهم مازالوا أجنة في بطونهن ومن بعد الولادة، كل ما يعيشه الأطفال من يومهم الأول وحتى سن السادسة يصنع رؤية الأطفال وتوجهاتهم للحياة رغم أنهم بالتأكيد لن يتذكروا الأحداث التي عاشوها في تلك الأوقات. ويؤكد العلم الحديث على ذلك. فتدل هذه الآية الكريمة على أن الله جبل فطرة الإنسان على معرفة أن له خالق. هو ما يسميه علماء النفس غريزة التقديس.
- أعطى الله لكل عباده وسائل الاهتداء (ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين) سورةالبلد. وهنا يؤكد الله على بذل تلك الوسائل التي تشمل الحواس والعقل والقدرة على الاختيار للجميع. ويؤكد على أنه عرَّف الجميع بطريق الخير وطريق الشر( النجدين).
- ثم أرسل الرسل للبشر جميعا(يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)سورة الأعراف)
- ثم وعد بأن من لم يصله الحق والرسالة فلن يحاسب ( مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا (15)
الهداية الثانية: الآن يأتي دور الإنسان واختياراته، فهو إما سيستجيب للرسل وداعي الإيمان فيكون مستحقا للهداية الثانية (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) أو أنهم سيختارون الكفر أو عدم الالتزام بالمنهج الذي أنزله الله فهؤلاء لن يستحقوا الهداية الثانية. هؤلاء هم من لن يرد الله لهم الهداية. لكن ذلك لأنهم لم يريدوها لأنفسهم. أعطاهم الله الحرية فأختاروا الكفر على الإيمان فلن يشاء الله لهم ولن يعطيهم الهداية الثانية أبدا.

ولله المثل الأعلي : ضابط شرطة يقف على مفترق طريق فيأتي إنسان لا يعرف الطريق فيبدأ الشرطي بشرح وصف الطريقين له و يخبره عن الطريق الأفضل للوصول إلى غايته فلو أن هذا الشخص استجاب للشرطي واختار الطريق الذي نصحه فيه، فسيستمر بإعطائه بقية تفاصيل الطريق وكيف يحصل على أسهل وأمتع رحلة ولكن إذا هذا الشخص رفض الطريق الصحيح وقرر أن يسير بالطريق الآخر والذي هو أساسا لن يوصله إلى الغاية السليمة فلماذا سيستمر الشرطي في إعطاء نصائح لطريق هو أساسا لن يسير فيه .لهذا ومن المنطقي ولله المثل الأعلى أن يتوقف عن هداية هؤلاء الكافرين ولن يريد لهم الإيمان لأنه غني عزيز ولأنهم لم يتقبلوا هدايته الأولى . من اختار الكفر فليذهب في طريقه (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )115 النساء
سؤال (3) روي الإمام البخاري في الحديث الصحيح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم(فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) فما جدوي العمل الصالح إذا كان لا يجدي وسيسبق علينا ما جاء في الكتاب إن كنا من أهل الجنة أو النار؟

قبل أن نجيب على هذا السؤال فلنسترجع ما نذكره. عن قصص من أدب الجريمة حيث يكون الفاعل هو آخر شخص نفكر فيه من فرط لطفه.
والآن: وقت الحكايات. استمعوا ثم حللوا تلك القصة
فتاتان مقربتان، قامت إحداهما بتزوير صفحة فيسبوك لشاب. وتواصلت مع صديقتها لمدة عام على أنها شاب محب وبالفعل عاشت معها قصة حب لمدة شهور. وعندما اكتشفت أم الفتاة رسائلها للشاب اتصلت به وأنكر معرفته أو مراسلته لها وتواصلت الأم مع صديقة ابنتها وفتشت الأم الأخرى هاتف ابنتها واكتشفت انها هي من خدعت صديقتها طوال تلك الشهور.
- التحليل للقصة:
كانت الفتاة تبدو صديقة مخلصة في الظاهر، لكنها أخفت غدرا وإساءة. في القصص البوليسية، كثيرا ما يتخفى المجرم في ثياب الطيبة واللطف.
الإخلاص في القلب هو الأهم في كل عمل.
ملاحظة هامة: هذا الحديث لأحاسب نفسي وأصلح نيتي، ليس لأحكم على الآخرين. أحمي نفسي بوضع إحتمال تغير الناس لكن دون سوء ظن.
ويصدّق هذا حديث رسول الله: (إنما الأعمال بالنيات ) و( رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش)
رسول الله عامل عبد الله بن أبي بن سلول كبير المنافقين بظاهره ولم يعلن حربه لا عليه ولا على بقية المنافقين رغم ثقته بنفاقهم. فما بالك بأناس لا نعرف ما في قلوبهم بحدود بشريتنا.
نعاملهم بالإحسان. لنا الظاهر فقط من الناس وندع القلوب لله.
احم نفسك وخذ احتياطك، دون أن تحكم على الآخرين
ونصل إلى الجواب عن السؤال :
أن هذا النص ورد في حق من لا يعمل إخلاصا وإيمانا، بل يعمل بعمل أهل الجنة ( فيما يبدو للناس) فقط لأسباب أخرى غير إبتغاء وجه الله.
أو أنه كان ضعيف النفس فتغير موقعه من الالتزام بالحق والصواب.
أو دخل في معصية مستمرة وغلف الران قلبه فانتكس. ومن المعروف أن هناك من يكفر بعد الإيمان بسبب إدمان معصية معينة أو شهوة معينة من ثروة أو سلطة.
و يفسر هذا تحول الكثير من الناس وانقلابهم عن طريق الحق أو انقلاب الكثير من أهل المعاصي إلى طريق الخير، لأن المسألة هي قلبية أكثر منها سلوك ظاهري فربما كان العمل الصالح جاء لأسباب أخرى غير الإيمان بالله ولربما كانت المعاصي أيضا لسبب غير الكفر أو محبة الشر.
لهذا تأتي إختبارات الدنيا وتصاريفها ليؤمن من آمن عن بينة ويكفر من كفر عن بينة أيضا.(لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (42) سورة الأنفال. أما الصالحين في كل من قلوبهم وأعمالهم فلقد قال الله عنهم (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)سورة إبراهيم.
سؤال(4) : لماذا يحاسبنا الله في أمور قدرها علينا وقدر أهل النار وأهل الجنة سابقا؟

-
وتفصيل ذلك: وجود أوامر ونواهي في الشريعة هو دليل على أن هذا مجال اختيار. وإن أجبرك أحد على فعل محرم فيسقط العقاب عن المكره. فنحن نُحاسَبُ فقط على ما هو واقع في منطقة الاختيار الحر لدينا.
إن في حياة الإنسان أمورا تجري في الكون لا حكم له عليها مثل الزلازل والبراكين والزمن…. وتلك لا يحاسبه الله عليها. وأمورا تجري عليه ولا قرار له فيها مثل من هم والديه وعرقه ونسبه ولون بشرته ودرجة طوله أو قصره وتلك لا يحاسبه الله عليها. وأمورا للإنسان فيها إرادة واختيار ……وتلك فقط هي مناط الحساب والتكليف.
- والقصة التالية ستبرز المعنى المطلوب:
لو شاهدت مباراة لكرة القدم / وفي الدقيقة 70 قام لاعب ما بارتكاب ركلة جزاء .. ثم قمت بتسجيل المباراة وأحضرت شخص ما لم يشاهد المباراة وجعلته يشاهد المباراة، ثم قلت له إن اللاعب الفلاني سيرتكب ركلة جزاء في الدقيقة 70 .. فهل أنا أجبرت هذا اللاعب على ركلة الجزاء؟ بالطبع لا. هو مخيّر وهو الذي قام بارتكاب الخطأ ولم أجبره على ذلك .. ولكن الذي فعلته هو كأنني ذهبت للمستقبل وعلمت بأنه سيقوم بهذا الشيء لأني شاهدت ذلك مسبقا .. ولله المثل الأعلى.. لأن الله يعلم الغيب وما سنفعل مستقبلا، قضي بتدوين هذه الأعمال التي سنقوم بها ( بالنسبة لله هي معلومة سلفا) وهي بالنسبة لنا ( سنقوم بها لاحقا لأنها مستقبل ) .. فكل القصة هي أن الله خارج الزمان والمكان ولذلك يعلم مستقبل كل شيء ولا يعني هذا أنه يجبر العباد على فعل شيء ثم يحاسبهم عليه .
قال الكافرون مثل هذا القول من قبل (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء من ذلك) سورة الانعام
ولتعلم ان كل ما قدره الله عليك وليس لك فيه إختيار يعد إختبارا لك. وهو مصمم تماما ليناسبك وإنك قادر على أن تنجح فيه. وأن الله يعلم قدراتك الحقيقية وقدرتك على اجتيازه ولن يطلب منك أو يكلفك أكثر من هذا. فإنه (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) فهو لن يحاسبك على ما لا تستطيعه. المهم هو أن لا تقصر أو تكسل وتدعي أن هذا هو ما تستطيعه فعلا، لأن الله يعرف كل نفس فهو من سوّاها ويعلم السر وأخفى.
ولله المثل الأعلى: هناك علم في الدنيا هو علم وضع الامتحانات ويدور حول كيف تصمم اختبارا متفاوت الصعوبة يبرز الطالب المتفوق. الاختبار الجيد يجب أن:
- يبرز نقاط الضعف عند الطالب في المساحات التي لم يتقنها، حتى يتدارك نقصه.
- الاختبارات الراقية تكسب الطالب مهارة اثناء تأدية الاختبار، فهي تدربه وتنمي عقله.
- ويجب اختيار كل سؤال بعناية حتى يتناسب مع المنهاج والصف الدراسي وما قدمه المعلم من تدريب.
ولله المثل الأعلى، فهو أعلم بنا وبما نطمح ونرغب وكيف نفكر والمنهاج الذي أرسله والظروف التي نعيش فيها. لا مجال للصدفة فإنه قدر كل شيء تقديرا. كل ما هو ليس من اختيارك ويمثل تحديا لك هو مختار ومصمم بعناية ليبرز أجمل ما فيك ويعلمك ما ينقصك ويزيدك مهارة وإبداعا. بشرط واحد: أن تؤدي ما عليك بشكل صحيح.
إذا أظهر اختبارك ضعفا فلا تتهم الممتحن (كما يفعل الكثير وينقمون على الله) وانما تعلم كيف تفيد من الاختبار لترفع درجتك.
سؤال (5) ويعد هذا السؤال قريبا أو أسلوبا آخر للسؤال السابق:
لنفهم هذا الأمر نحن بحاجة إلى أن نفهم الحقيقة التالية:
قوانين الزمن ماضي وحاضر ومستقبل هي من خلق الله. تلك القوانين تمثل قيودا لنا فانا لا أستطيع تغيير الماضي ولا أستطيع أن أعلم ما يأتي في المستقبل. لكن الله هو الذي خلق تلك القوانين وبالتالي فهي لا تحد قدرته ولا تعجزه. فهو يعلم ما في المستقبل والذي هو علم الغيب بالنسبة لنا.
مهما حاول عقلنا أن يدرك كيف هذا فلن يستطيع لأن عقلنا مخلوق في إطار الزمن ومحكوم بقيوده.
قصة حدثت للعالم مصطفي محمود قبل تحوله من الإلحاد إلى الإيمان أن شاهد في نومه صديقين له يمشيان في مكان ويتحدثان بكلام وعندما التقوا وحكى لهم منامه تعجبوا كثيرا لأن كل ما حكاه حدث فعلا.
يحدث هذا مع كثير منا، أن نرى رؤيا وتتحقق فيما بعد كما رأيناها من قبل. حاول د. مصطفى بكل طريقة أن يتعامل معها كموهبة ويسترجعها أو ينميها وسافر للهند وقابل البراهمة والكهان واشترى الكتب ومارس كل التمارين الممكنة ولكن عبثا لم تتكرر معه ثانية. كانت الفكرة التي وصلته:
- هذا الغيب الذي هو غيب عني مكتوب في مكان ما ويشاء الله أحيانا أن يطلعنا على سطور من ذلك المكتوب لسبب معين.
- فالله كتب في اللوح المحفوظ ما سيجري إلى يوم القيامة لأن علمه محيط به وليس لأنه ألزمنا أن ننفذ ما فيه.
ولله المثل الأعلى: كمعلم يعرف من طلابه من يستذكر ومن يهمل دروسه فيمكنه أن يقرر من الآن من سيحصل على علامات عالية وآخر سيحصل على علامة منخفضة. فلا يمكنك أن تلوم المعلم لأنه عرف النتائج ولكن الطالب يلوم نفسه لأنه لم يذاكر دروسه.
مع الفارق أن هذا المعلم يتنبأ مع احتمال الخطأ ولكن الله يعلم حقا ما كان وما سيكون.
سؤال(6) : لو أننا اتفقنا أن الحياة اختبار فلماذا يختبرنا الله طالما أنه يعرف النتائج؟
ولنستشعر الإجابة: لنتابع ذلك الموقف التمثيلي: المعلمة تدخل الصف وتقول بسبب الكورونا، لن يكون هناك اختبار ولمعرفتي بكم سأعطي لكل منكم درجة أقيّمه أنا بها.أسماء 90 – هناء – 60 – سمية 70 -يعترض الطلاب لأنهم لم يأخذوا فرصة حقيقية للتعبير عن أنفسهم والتقييم الواقعي لها. وأنهم كانوا سيبذلون جهدا ويستحقون معه درجات افضل.
- ولنفهم أفضل لدينا وقت لفيديو لطيف:
نحن في الدنيا لننمو ونثبت ذواتنا ونتحلى ونتخلى ونرتقي فنصبح مؤهلين لجوار الله والخلود في جنة بالقرب منه
لأن الاختبار ليس لله ولكنه لي أنا. فلو حكم الله على بالنار بدونه لاعترضت وقلت هذا ظلم لم أكن لأفعل تلك الأفعال السيئة. وكم من البشر يظن بنفسه الخير وعندما يقع تحت التحدي تنكشف حقيقة نفسه. ورأينا كثير من الناس يحكون أنهم عندما تعرضوا لاختبار معين، إكتشفوا من نفسهم أداءا مختلفا تماما عما كان يظنونه عن أنفسهم. فسبحان الله حتى أننا لا ندرك حقيقة أنفسنا أحيانا وتكون مواقف التمحيص في الحياة فرصة لنا لكي ندرك تلك الحقيقة ونكتشف نقطة الضعف أو العيب. تلك أكبر نعمة في امتحانات الدنيا، إذ أنك إذا اكتشفت نقطة الضعف وموطن المرض تمكنت من العلاج. فتلقى الله يوم القيامة وقد تطهرت من عيبك وحققت أعلى درجة كمال بشري ممكنة واستحققت الجنة. وهناك من سيكتشف سوء نفسه وعند حسابه لن يشعر بالظلم لأنه يحاسب على ما قام به فعلا بحرية وباختيار.
- راقبوا هذا الفيديو
ولله المثل الأعلى: تقوم شركة السيارات بإختبار منتجها على تحمل الصدمات بكل الطرق، رغم علمها أنها استعملت أفضل المعادن لصناعتها. ولكن مازال التحدي الواقعي هو الذي يظهر نقاط الضعف ومن ثم تتمكن الشركة من تحسين منتجها لتجعله الافضل.
الشركات التي لا تختبر منتجها، فسيظل رديئا ولن تكون لديه فرصة للتطور. البعض سيجتهد ويصحح الخلل فيسبق الشركات الأخرى.
أنت أيضا عندما تمر بمواقف الحياة التي أعدها الله لك، إعلم أن الله أعدها محبة منه ليساعدك على أن تتبصر بمواطن عيب نفسك. قد تقول سبحان الله كنت أتوقع من نفسي أداء أفضل من هذا. سأصلح من نفسي وسأكون أفضل المرة القادمة.
وقد تلقي اللوم على الآخرين والظروف وتظل مغلقا عينيك وتدعي أنك رائع.
اختبار الحياة الدنيا نعمة لكل من أراد أن يكون بصيرا بنفسه على حقيقتها وأراد أن يعمل على إصلاح قلبه وتنمية ذاته.
- قصة حقيقية:
كانت طفلة لأسرة متوسطة. كان بداخل تلك الفتاة محبة لله وللقرآن ورغبة دائمة في أن تكون نموذجا صالحا يرضي الله وينشر الخير والحكمة والعدالة والسعادة في الارض. كانت تجتهد في ذلك بقدر ما يتاح لها من إمكانات. كانت تكثر من القراءة في الدين وتتعلم كيف يكون المسلم الصالح قويا كريما صادقا وفيا محبا للخير للجميع. وبالطبع هي تتبني كل ما قرأته وحسبت من نفسها أنها على هذا القدر من الروعة.
تحكي أنها مرت بمواقف في حياتها تتحدي تلك الصفات. خافت يوما فكذبت. وثارت غيرتها من أخرى فحسدت ورأت محتاجا وكان لديها ما تعطيه فضنت وهناك من تسبب لها في شيء من أذى فله الشر تمنت. وفي كل مرة كانت بعد الموقف تقيم حالها وتفاجأ بما صدر عنها وسلكت طريق الصالحين من توبة وندم وعزيمة على عدم التكرار ووعد لله أن لو تكرر الموقف لأرينك من نفسي أفضل ما يرضيك عني وبالفعل أعطاها الله تلك الفرصة فنجحت. كانت النتيجة نقاء أكبر وتطورا للأفضل وتحققا أصدق وقربا من الله أعلى وسعادة في الدنيا وأملا في سعادة الآخرة من بعد.
استشعرت صديقتنا أن تلك الاختبارات نعمة ساعدتها على معرفة نفسها ورأتها رمزا لرعاية الله لها الذي من فوق سبع سماوات يعرفها أكثر من نفسها يتعهدها بالإرشاد ويساعدها على اكتشاف الخلل ويعلمها كيف تصححه. حتى إذا قابلته يوم القيامة، جائته وقد تعافت من عيبها وأكملت نقصها فرضي عنها ورفع درجاتها من الجنة.
التفرقة بين القدر ونتائج أعمالنا
خلق الله الكون وجعل له قوانين ومنها قانون السببية. ويعني أن إذا أردت تحقيق شيء فعلي أن أتخذ الأسباب التي تؤدي لذلك. على سبيل المثال:
- طالب لم يستذكر درسه فرسب هذا عمل يديه وليس بسبب القدر
- شاب يقود السيارة بأقصى سرعة ويقوم بحركات بهلوانية وأصيب في حادث بشلل رباعي، فهذا نتيجة عمله وليس بسبب القدر
فقط عندما يحدث شيء لم يكن نتيجة عملك، يمكنك أن تعزوه إلى القدر
ولنا لقاء طويل عن فقه الابتلاء فيما بعد لنفهمه بالتفصيل