لماذا يسكت الله عن الظلم. أليس من الرحمة أن يوقف الظالم عن ظلمه رحمة به ورحمة بالضعفاء الذين سيتألمون من هذا الظلم. هل هو غير متابع أم غير مهتم أم غير قادر؟
سنناقش الجواب في 8 أفكار: إذا كنت تعرض تلك الأفكار لزملائك، فيمكنك تقسيمهم مجموعات ثمانية. دون أن تخبرهم العنوان الرئيسي، وتعطي فكرة لكل مجموعة دون تحديد ترتيبها . تطلب من كل مجموعة أن تشرح الفكرة التي معهم وأن يحضروا آيات من القرآن تدلل عليها. ثم نطلب منهم ترتيبها من حيث منطقية التفكير. وبعد عرض جميع الأفكار ، عليهم أن يخرجوا بإستنتاجات عامة وتوصيات ووضع عنوان كبير يضك تلك الأفكار.
بدون الشر تفقد الحرية والإرادة معناها:
- أعلم أن الله حكيم وعلى كل شيء قدير ولم يخلق الكون عبثا ولا لهوا.
- إقتضت حكمة الله أن يختبر البشر بالحرية والإرادة والقدرة على الإختيار. والحرية تقتضي إحتمال حدوث الخطأ.
- يكون الشر في الدنيا ظلما لو لم تكن هناك حياة آخرة ترد فيها المظالم ويأخذ المظلوم حقه وينال الظالم عقابه. مدة الحياة الدنيا عندما تقسم علي ما لا نهاية (الخلود) تساوي صفر.
- وبصفتنــا أشــخاص محدوديــن، فــإن حكمنا على الأشياء محدود بقيود المــكان والزمــان والــذكاء والبصيــرة. لكــن الله يــرى نهايــة التاريــخ منــذ بدايتــه.
- الخــوف والقلــق والمشــقة والتعــب والعنــاء والمــرض والبــلاء كلهــا عبــارة عــن أدويــة.
- لو تخيلنا الكون بدون حرية إختيار وإرادة، لخلا من الحكمة والمعاني الجميلة مثل الإيثار والتضحية والكرم والمساعدة. ولا يمكن للإنسان أن يعيش علاقة حب مع الله ويستحق الجنة إلا بعد أن يبلغ درجة من الكمال البشري أو الحسن البشري في القيم والأخلاق والسلوك والتي لن تتجلى إلا في المواقف الصعبة.
- كثيــرا ما تكون كثــرة المــوارد أســوأ مــن قلتهــا. ففي كثيــر مــن الأحيــان نعمــة الله علينــا في (المنــع) أعظــم مــن نعمتــه في (العطــاء) !
- من غير الشر أنت نفسك مستحيل تشعر بقيمة الحياة ! ومــن غيــر الألــم والمعانــاة والصــراع تفقــد الحيــاة معناهــا.. والشــر وتحديــك لــه سيسبب تطورك الروحــي والأخلاقــي .
شرح الأفكار الثمانية:
الفكرة الأولي: أعلم أن الله حكيم وعلي كل شيء قدير ولم يخلق الكون عبثا ولا لهوا.
وقد ورد في القرآن الكريم (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) سورة المؤمنون. وأيضا (لو أردنا أن نتخذ لهوًا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين) 17- الأنبياء
يحتاج الإنسان لقدر من العلم والتأمل في خلق الله من روعة وإعجاز حتي يستقر في نفسه أن الله حكيم، عليم خبير قدير لا يعجزه شيء. حكيم ولا يعزب عنه مثقال ذرة. فإن كانت تلك المعاني غير مستقرة في نفسك وعقلك فعليك بالمزيد من التأمل في الإعجاز الرائع في تدبير الكون.
وكنموذج: هناك قاعدة فيزيائية تصدق على كل المواد وتنكسر في مادة واحدة فقط. ولو لم يحدث ذلك لفنيت الحياة علي الأرض. ما هي؟

الإجابة: كل المواد عندما تتجمد تزداد كثافتها إلا الماء. إذا تجمد الماء قلت كثافته. وعندما يحدث هذا في مياه البحار أو الأنهار أو المحيطات، فإن الماء المتجمد يطفو علي السطح مما يكون طبقة عازلة تحفظ درجة الحرارة أسفلها فتبقي الكائنات المائية من حيوانات وأسماك ونباتات علي قيد الحياة. ومعلوم أن النباتات المائية ضرورية جدا لإعادة إنتاج الأكسوجين الضروري جدا لحياة الكائنات المائية. انكسار هذه القاعدة الفيزيائية يوفر الدفء والأكسوجين والغذاء للكائنات المائية في المناطق التي تتجمد في فصل الشتاء. لو لم يحدث هذا لاختل التوازن البيئي كاملا في الأرض.
- هناك دورة للماء ودورة للأكسوجين ودورة للمواد العضوية وطريقة التعامل مع النباتات أو الكائنات الميتة . هناك نسبة الأكسوجين التي تناسب أجسامنا ودرجة الجاذبية المثالية لنشاطاتنا وعمليات جسمنا الحيوية.
دأب العلماء علي البحث في التغييرات البسيطة والتي لو تراكمت بدون الأنظمة الأ خرى التي خلقها الله لحفظ التوازن، كانت ستهلك الحياة على الأرض في أيام معدودات أو أقل.
لهذا فكلما سألت سؤالا عن حكمة الله في شيء ما، إستحضر تلك الأفكار لتعرف مقامك أمام الله. لا بأس من أن تبحث عن الحكمة لكن لو لم تجدها فلا تتهم وجودها. فقط أنت ما زلت قاصرا عن الوصول إليها.(لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)
ولله المثل الأعلي: هل يحق للشخص غير المتعلم ان ينتقد عالم الفيزياء في معادلاته وتفصيلات بحثه الدقيقة. أو ينتقد صانعي مركبة الفضاء ويطلب منهم تعديل ما يصنعوه بناءا علي ذوقه الخاص دون الإلتفات للعلم الكبير والدقيق خلف ما يقومون به. مثل ذلك من لايدرك حكمة الله في الكون ثم ينتقد حكمته ثم يقول لماذا لم يفعل كذا وكذا.
الفكرة الثانية: إقتضت حكمة الله (التي لا يمكننا أن نحيط بها) أن يختبر البشر بالحرية والإرادة والقدرة على الإختيار.
- والحرية تقتضي احتمال حدوث الخطأ. فوضع منظومة من العفو والاستغفار لدرجة أن دعاءا تقوله قبل الطعام يغفر لك ما تقدم من ذنبك. والصلاة إلى الصلاة ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة مكفرات ما بينهن وغير ذلك كثير من مكفرات الذنوب.
هــذه الأمانــة أو الحرية والإرادة، مرتبة عالية وكرامة أعطاها الله للإنسان ومن أجلها حصل علي مميزات كثيرة منها :
- أن ينفخ الله فينا من روحه
- وجعــل الملائكــة تســجد إلنــا
- وسخر لنا كل الكون
- واسجد لنا الملائكة وكرمنا علي العالمين
الفكرة الثالثة: يكون الشر في الدنيا ظلما لو لم تكن هناك حياة آخرة ترد فيها المظالم ويأخذ المظلوم حقه وينال الظالم عقابه.
لــو حســبنا الشــر والأذي الذي يلقاه أي إنسان في الدنيا، مقارنــة مــع الآخــرة. فحتي لو عاش الإنسان في ألم لمدة 100 عام بدون لحظة راحة أو سعادة فعندما تقسم هذه المائة علي اللانهاية من الخلود في النعيم والأجر تكون النتيجة صفر. لهذاعندما ترغب في الانتقام من الظالمين وتعجز تشعر بالقهر، لكن تذكر قول الله تعالي:
ولا تحسبن الله غافلا عما يفعل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم
اليوم تجزي كل نفس بما كسبت، لا ظلم اليوم
الفكرة الرابعة: وبصفتنــا أشــخاص محدوديــن، فــإن حكمنا علي الأشياء محدود بقيود المــكان والزمــان والــذكاء والبصيــرة. لكــن الله يــرى نهايــة التاريــخ منــذ بدايتــه، وهــو قرر أن يكون قانون السببية والقــرارات والتصرفــات الحــرة للنــاس هي المحرك للأحداث في معظم الأحيان
- . الله وحده من يملك الحكمة الكافية لإدراك مآل الاحداث التي تدور منذ بدء الخليقة وحتي نهايتها وهو وحده القادر علي تحديد المساحة التي يتركها للناس ليتدافعوا ويصدوا الظلم والشر بأنفسهم والمساحة التي سيساعدهم فيها وييسر عليهم ذلك.
ولله المثل الأعلي، فإن الوالدين يسمحون بالألم لتحقيق منفعة أكبر.
الفكرة الخامسة: الخــوف والقلــق والمشــقة والتعــب والعنــاء والمــرض والبــلاء كلهــا عبــارة عــن أدويــة.. يعالجنا بها الله تكفيرا لذنب أو تخويفا منه أو تقوية شعورنا بالحاجة إليه حتي نبقي علي إتصال به فلا نشت في عالم السلطة والجبروت والظلم؟
لو غاب الشر لغابت الحكمة وضاع التمييز وغاب التمايز والتنافس
الفكرة السادسة: كثيــرا ما تكون كثــرة المــوارد أســوء مــن قلتهــا. ففي كثيــر مــن الأحيــان نعمــة الله علينــا في (المنــع) أعظــم مــن نعمتــه في (العطــاء) !
مصداقا لقوله تعالي: ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الارض
ربنــا بمنعــك لمصلحتــك.. وبعطيــك حســب حاجتــك.. هــو خبيــر وبصيــر بحالتــك..
كثيرا ما ستكتشف جمالك في عدم كمالك
الفكرة السابعة: لو تخيلنا الكون بدون حرية إختيار وإرادة: لخلا من الحكمة والمعاني الجميلة مثل الإيثار والتضحية والكرم والمساعدة. فمثلا لتكون لديك قيمة الصدق، فلابد أن يكون لديك خيار الكذب. ولتكون عطوفا فلابد أن يكون هناك قدر من المعاناة.
لا يمكن للإنسان أن يعيش علاقة حب مع الله ويستحق الجنة إلا بعد أن يبلغ درجة من الكمال البشري أو الحسن البشري في القيم والأخلاق والسلوك. والمعاناة في الإختيار في الدنيا هي آلام المخاض التي ستحقق له هذا النمو:
- ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلْإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَٰقِيهِ)الإنشقاق
-
( قوله تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون)سورة الأنبياء
الفكرة الثامنة: من غير الشر، إنت نفسك مستحيل تشعر بقيمة الحياة ! ومــن غيــر الألــم والمعانــاة والصــراع بتفقــد الحيــاة معناهــا.
- . والشــر وتحديــك لــه هوسبب تطورك الروحــي والأخلاقــي .. كتب بول براند وهو طبيب مختص بالجذام كتاب بعنوان “هبة الألم” طبعا مرض الجذام في مراحله المتطورة ببطل الشخص يشعر بسببه بأي إشي ! فممكــن ينجــرح ومــا يحــس إنــه انجــرح… ويذكر في الكتاب إنه الألم نعمة ! وأنه لو يستطيع أن يقدم لمرضي الجذام شيء اتمني أن يقدم لهم القدرة علي الشعور بالألم. فالألم يحميك ويفيدك وينذرك ويحذرك.
الخلاصة:
لا تنســوا إنكــم تمرون باختبــار. واختباركــم هو كيــف توقفوا الشــر في العالــم وتحافظــوا علــى نشر العدالة والخير في هذا العالم. تذكروا إن الله لن يحملكم فوق طاقتكم ووسعكم .
ونختــم : فـكل مــا فعلــه “الله” علمنا أن لــه فيــه حكمــة ، وهــذا ْ ْيكفينــا مــن حيــث الجملــة، وإن لــم نعــرف التفصيــل، وعــدم علمنا بالحكمة أحيانا مثل عــدم علمنــا بكيفيــة ذاتــه حيث لا يدركه عقل الإنسان.
هذا هو الدرس الأخير في محور الإيمان بالقضاء والقدر:
- محور الإيمان بالقضاء والقدر