تخطيت مرحلة الطفولة ثم بدأت أرى العالم من حولي بشكل مختلف.
اختلفت مشاعري وطريقة تفكيري.
عندي الكثير من الأسئلة والكثير من القرارات التي يجب أن أتخذها.
كل خيار هو قرار بدءا من الإيمان بالخالق ووصولا لطريقة انتقاء ملابسي وقص أظافري وتعطير ثيابي.
هناك الكثير من الأمور التي يجب أن أبحث فيها. هناك معلومات لابد أن أجمعها من مصادر موثوقة. وهناك عمل على تلك المعلومات لأقرر بشكل صحيح.
هناك أسئلة كبرى! في مرحلة معينة من حياة كل منا يسأل نفسه أو معلمه أو والديه تلك الأسئلة.
حتى سيدنا إبراهيم شعر بهذه الحاجة؛ ليطمئن قلبه وصرح بذلك لله العلي القدير الذي قَبِل سؤاله، وأجاب عليه، ولم يعنفه أو يستاء منه، بل وذكره لنا في القرآن نموذجًا لكيفية التعامل مع ذلك النوع من الأسئلة. هناك العديد من أصدقائي قابلهم الأهل والمعلمين بالزجر أو التجاهل فسكتوا لكنهم أبدوا تراخيا في الالتزام بموجبات الإيمان في المقابل، وصل عدد منهم للتنازل عن قضية الإيمان بوضوح وصراحة.
نعم سأبحث وسأشارككم ما وجدته وما يلخص ما فهمته والنتائج التي توصلت إليها. وسأبدأ بالقضية الأولى في حياة الإنسان وهي قضية الإيمان بالله. وهو السؤال الأول الذي سينبني عليه الكثير من القرارات فيما بعد.
عرفت أن الله واجب الوجود
سأشارككم كيف اطمأن قلبي للإيمان بالله وكيف تمكنت من مساعدة من حولي عندما تبادلت معهم ما توصلت إليه. ولنسير معا في خطوات لنرتب أفكارنا سويا.
- ماذا تقول لو أخبرتك أن قردًا يلعب بحروف ماكينة الطباعة فكوَّن كلمة من حرفين مثل بابا ، أو باب، أو تحت ؟!
ماذا لو قلت لك أنه كون جملة مفيدة ؟!
ماذا لو قلت لك أنه رتب الحروف عشوائيا فكتب صفحة مترابطة المعاني و الأفكار؟!
ماذا لو قلت لك أنه كتب ديوانا شعريا لوليم شكسبير أو أحمد شوقي؟!
الفكرة1 :
إن من يقول أن الكون خلق بالصدفة تماما؛ كمن صدَّق أن القرد بشكل عشوائي كتب مسرحية شعرية لوليم شكسبير بلا خطأ و بالصدفة! المتأمل للكون يرى أن دقة خلق الكون تثبت استحالة ذلك.
إن للصدفة قوانين يعرفها أهل علم الرياضيات، و حساب الاحتمالات .
فلا يمكن تفسير تناسق الخلايا ، حيث تقوم كلها بوظائف متكاملة. تتشارك الخلايا في صناعة الأعضاء، والأعضاء في تكوين الأجهزة مثل: التنفسي، والهضمي ، والأجهزة تخدمني هذا، ليهضم الطعام وهذا ، ليحضر الأكسجين الخاص بإنتاج الطاقة التي أحيا بها ،وهذا يخرج السموم والفضلات، وهذه عصارة تهضم الكربوهيدرات، وتلك للدهون، وتلك للبروتينات.
يحتاج جسمي لمواد؛ لينمو فأجدها في الأطعمة التي تناسبني
أحتاج للماء؛ فأجده.
أمرض، فأجد دوائي في البيئة التي أعيش فيها. أمراض الصيف؛ علاجها في الأطعمة التي تنبت صيفًا وأمراض الشتاء؛ تعالجها الأطعمة التي تنبت في الشتاء.
أحتاج الأكسجين، فيكون موجودا بنسبة لو زادت لأمرضتني، ولو قلَّت لاختنقت.
درجة الحرارة على الأرض تناسبنا، هناك دورة للمياه ، وللحياة وتوازن بيولوجي ينبئ عن حكمة عالية.
نرى كل هذه المعدات حتى تطير الطائرة، في حين أن العصفور والحمامة وغيرها من الطيور تتم كل هذه العمليات في جزء من مخها والذي قد يكون في حجم بذرة البطيخ.
السرعة، الارتفاع، الحمولة، الوزن، الاتجاهات، البوصلة، التوقيتات، رادارات للبحث عن الغذاء والهرب من الأعداء. كل هذا بدون عدادات الطيران المرتفع والمنخفض وبدون برج مراقبة ولا راديو ولا قمر صناعي.
(أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير)
( صنع الله الذي أتقن كل شيء)
لا مجال للصدفة أبدًا؛ إنما لهذا الكون خالق وضع له قوانين، وقدَّر كل شيء فيه تقديرًا.
بينما كنا ندرس فصول السنة والمناخ شاهدنا مثل هذا الفيديو عن حركات الأرض والفلك
الفكرة2 :
من يتأمل في الكون يرى مصداق الآية القرآنية : {إنا كل شئ خلقناه بقدر}.
فلنلعب: ألعاب خداع البصر
جرب أن تقارن حروفا مكتوبة بخط سميك، وبيضاء، ونفس الحروف بنفس الحجم سوداء، ودقق أيهما أكبر؟ (ستبدو الحروف باللون الداكن أصغر حجما)
ارسم خطان متوازيان، وبينهما خطوط مائلة، ودقق هل تشعر أن الخطان متوازيان أم مائلان؟ (ستشعر أنهما مائلان).
كوب ماء ممتلئ نصفه، ضع فيه ملعقة، وانظر من الجانب سترى المعلقة، وكأنها مكسورة.
هناك الكثير من ألعاب خداع النظر يمكنك أن تلعب وتستمتع وتتثبت من الفكرة التالية.
كل حواس الإنسان لها حدود. عيوننا لا ترى الأجسام الدقيقية نحتاج ميكروسكوب ولا البعيدة، نحتاج تليسكوب.
آذاننا تتمكن من الاستماع لتردد معين لا يمكنها أن تسمع أقل أو أكثر منه. مخلوق آخر كالخفاش حباه الله بقدرة أعلى ويتمكن من التقاط موجات لا يمكن للإنسان سماعها.
حتى تتمكن من الشعور بلمسة معينة، فلابد أن تكون بقوة مناسبة لمستقبلات الحس فلو كانت أضعف فلن تشعر بها ولو كانت أقوى بكثير فقد يتضرر الجلد وينسحق وما بينهما يستشعره الإنسان.
وهذا رحمة من الله فلو تمكنت حواسنا من استقبال كل هذه الموجودات لتشتت عقلنا من كثرة البيانات الواردة إليه.
قدرات الإنسان محدودة لا يمكنها أن تدرك من هو فوق الحدود.
الفكرة 3 :
العيون(الحواس) ليست الوسيلة التي يمكنها الحكم على وجود الأشياء أو غيابها عموما وعلى وجود الله خصوصا.
حواسنا تدرك مدى معينا من المؤثرات، وبالتالي هي لا تصلح لنفي وجود الموجودات التى لا تدركها.
وأيضًا: ما تدركه العين يغيب، ما تدركه العين محدود؛ لهذا لم يكن ممكنا بعيوننا البشرية تلك أن تسع الله تعالى.
لنحضر مغناطيسا ونجذب به مسامير أو دبابيس ثم اسأل نفسك، ما الذي يجذب المسامير؟ الإجابة إنها القوى المغناطيسية.
هل رأيت هذه القوى من قبل؟ ما شكلها؟ ما لونها؟ ما طعمها؟ ما ملمسها؟ ما صوتها؟
كيف أقررت بوجودها، وأنت لم تستشعرها بأي من حواسك الخمس؟!
نفس الشيء ،عندما يضئ مصباح كهربائي بضغطة زر، نسأل نفس الأسئلة وسنحصل على نفس الإجابات بالنسبة للتيار الكهربي، نفس الشئ إذا رميت شيئا و سقط على الأرض، نسأل أنفسنا لماذا سقط إلى الأسفل وليس للأعلى؟!
الفكرة 4 :
الكثير من القوى في العالم لا ندركها بحواسنا الخمسة، ولكننا نوقن بها بسبب مشاهدتنا لآثارها.
حواسنا الخمسة لا تتمكن من إدراك كل موجود في الدنيا.
إعتدنا أن نلعب مع أصدقائنا فنطلب من أحدهم ملاحظة كل شيء في الغرفة، ومكان كل الحاضرين، ثم نطلب منه أن يخرج، ونطلب من أحد الحضور أن يغير مكانه فيجلس على الأرض، ونختار كتابا، أو فازة، أو وسادة ونغير مكانها أيضا.
عندما يعود الشخص نسأله عن التغيير الذي طرأ على مكان الشخص وتصوره كيف حدث تغيير مكانه؟
نسأله عن مكان الكتاب، و نسأله تصور كيف حدث تغيير مكانه؟
الفكرة 5 :
معلوم من صفات الإنسان أنه يستطيع الانتقال من مكان إلى آخر بنفسه، و لكن من صفات الجمادات أنها تحتاج لمن ينقلها. وضع الله للكون قانون: أن كل شئ له سبب لوجوده، ولا يخضع هو لهذا القانون الذي وضعه، فهو الخالق الذي لا خالق له. كيف؟!
لا يمكن لعقلي أن يدرك؛ لأنه لم يصمم على إدراك ذات الله؛ لهذا قال النبي الكريم “تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في ذاته”
- سؤال: تخيل لو أن الدمية التي تتحرك بالبطاريات قادرة على التفكير، وسألناها كيف يتحرك الإنسان؟
لابد أنها ستتصور أن للإنسان حجر بطارية ضخم يحركه. هكذا نحن قد جبلنا على أننا مخلوقين وخالقنا هو الله فلا نستطيع أن نستوعب أن الله هو الأول ولا خالق له. تطرأ المشكلة عندما نفكر في الله بنفس قواعد البشر. ولله المثل الأعلى من صفة الإنسان أنه يحتاج لخالق ولسبب من أب وأم. هذا هو العالم الذي يعرفه، والقانون الذي يأسره؛ أما الله فهو خالق هذا القانون ولا ينطبق عليه، لهذا مهما فكر الإنسان، فسيفكر مع ذات الله بالقانون الذي وضعه الله، ولا يخضع له، تلك تكون بوابة الضلال والقلق. - فأقول لنفسي: الله هو الخالق، ولا خالق له، ومهما أجهدت تفكيري حول كيف هذا، فلن أصل لشيء؛ لأنني لا أستطيع الإدراك إلا في حدود القوانين التى يخضع لها عالمي، والتي لا يخضع الله لها؛ لأنه موجود قبلها وهو من وضعها.
أنظر إلى تلك الصورة، ماذا ترى فيها؟

تركيب الذرة هو نفس تركيب المجرة ،هو نفس شكل اصطفاف الحجاج حول الكعبة، واتجاه الدوران حول النواة، هو نفسه حول الشمس، هو نفسه حول الكعبة.
الفكرة 6 :
للكون نظام واحد و مصمم واحد، ومن يلتزم بقوانين الله؛ يسلم و تكون عاقبته استقرار ونجاح، ومن يشذ عن قوانينه؛ يدمر نفسه و يؤذي من حوله. يدرك وحدة التصميم كل متعمق في الخلق.
ولتعميق الإيمان؛ يجب أن نتدبر آيات الله القرآنية بما فيها من إعجاز في العلوم، والتشريع، والقصص. ونتدبر آياته الكونية من كون فسيح بدقة بنائه، وتناسبه، وتكامله، وسعته، وبراعة خلقه.
ونتدبر أحوال العباد، والأمم، وكيف من التزم منهاج القرآن صفا وسعد، وكيف كان حال الأمم التي كفرت وضلت.
انظر إلى الصور التالية، الصورة الأولى حتى لو لم تعرفوا صاحبتها التي اختارت و وضعت كل شئ فيها، حاول أن تخمن صفاتها. و نفس الشئ للصورة الأخرى.
يمكن الإفادة هنا من صور للكائنات البحرية، ومناظر طبيعية، مواقع الإعجاز العلمي في القرآن و السنة.
الفكرة 7 :
إن معرفة صفات الله بالتأمل في صنعته(خلقه)، هي أفضل طريقة للتيقن من وجود الله ومعرفة صفاته، هى من خلال آثاره في خلقه؛ فإحكام حركة الكواكب، وثبات الليل والنهار، وما لا يحصى من الكائنات، ومن أمور الكون المدبرة بإحكام تنبئ عن رب عليم، خبير، قدير، بديع، واسع، مدبر، ودود، قوي.
شاهدوا معي هذا الفيديو
https://fb.watch/ic9gxsMvaj/?mibextid=6aamW6
ما هي صفات خالق هذه الكائنات البديعة والكون الفسيح ؟
من أهم الصفات، الإبداع والعلم والخبرة والحكمة وروعة التقدير. في تخطيط الله للكون جعل الحياة الدنيا مرحلة ضرورية وخطيرة وكرر علينا وأكد في آيات القرآن أن كل هذا الخلق لم يكن لهوا أو عبثا.
في سورة [آل عمران {ما خلقت هذا باطلا}.
{ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين}سورة [الأنبياء].
{لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا}سورة [الأنبياء].
{أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق…} سورة [المؤمنون].
إن الله هو الحكيم
إن صفات الله متجلية في صنعته وخلقه، وهي أفضل طريقة للتيقن من وجود الله ومعرفة صفاته؛ فإحكام حركة الكواكب، وثبات الليل والنهار، وما لا يحصى من الكائنات ومن أمور الكون المدبرة بإحكام تنبئ عن رب عليم، خبير، قدير، بديع، واسع، مدبر، ودود، قوي…
إن المتأمل لهذا الكون بدقة خلقه وروعة إبداعه، ليدرك أن هذا الكون لم يخلق عبثا {ما خلقت هذا باطلا} سورة آل عمران
{ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين} سورة [الأنبياء].
{لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا}سورة [الأنبياء].
{أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق…} سورة [المؤمنون].
وإن حكمة الله العظيم أكبر وأعمق من أن نحيط بها، لكن من لطفه وكرمه يعلمنا ما يتمكن عقلنا من استيعابه، ولكن مازال هناك الكثير من العلم والحكمة يقف الإنسان أمامهم عاجزا، ويعترف كل عالم أنه كلما تعلم، زاد شعوره بضآلة معرفته أمام ما يحويه الكون من روعة، بل أمام ما لدى الله من عظمة وحكمة.
تعلمت أن لا أمتحن الخالق بل أعظمه وأعرف قدري أمام قدره.
بعد ما تأملت دقة خلقه تعلمت أن لا أشك في حكمته وعلمه.
تعلمت أن أتوقف عن التفكير في حكمة كل أمر بل أركز على تنفيذ أوامره لأحظى بجنته وخلود في النعيم في جواره
يعطيني هذا الشعور بالثقة والأمان عندما أتعلم القرآن، إنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. يمكنني فعلا أن أدير حياتي طبقا لما يعلمني الله إياه في كتابه؛ لأنه محيط بالكون، والناس، وبالماضي، والمستقبل والحاضر. هو إله يحبني ويعلمني في القرآن ما يصلح شأني . في الموضوع القادم سأتشارك معكم رؤية الإسلام عن معنى الحياة ودور الإنسان في الأرض .
أشارككم ما أفعله لأستديم قوة يقيني في عظمة ربي
منذ وعيت تلك الأفكار أصبحت أتابع الصفحات التي تصور عجائب الخلق ومنها كثير. منها ما يركز على روعة الكائنات البحرية ومنها ما يركز على غابات معينة أو طيور او زواحف أو حتى نوع واحد من الطيور. هي فكرة أفادتني كثير وتستحضر دوما قدرة وعظمة الخالق فيصغر أمامها كل صعب وأشعر بالمزيد من الأمان والثقة والرغبة في الطاعة والقرب.
الخلاصة:
- لهذا الكون خالق واحد صفاته ندركها من التدبر في خلقه.
- الحواس الخمسة ليست الوسيلة المناسبة للحكم في قضية وجود الخالق.
- لا يمكنني أن أفهم كون الله خالق الكون ولا خالق له؛ لأنني محكوم بقوانين الله التي تنص على السببية بمعنى أن في دنيانا لكل شيء سبب ولكل موجود من أوجده.
- إدراك أسماء الله وصفاته ظاهر في الكون من تدير خلقه.
لنا وقفات تالية حول: ما يدعوني للإيمان بمحمد رسول الله رسولا ونبيا يجب علي اتباعه ومحبته. ما يكفيني لأعلم أن القرآن كتاب من عند الله. ما يكفيني لأمتن لله على شريعته التي تأمر بكل ما ينفع وتحرم كل ما يضر
المرجع: المقال ملخص عن كتاب الله جل جلاله للأستاذ سعيد حوى
كما ننصح الشباب بقراءة الكتاب التالي شاب يحكي -كيف عرف أن الله موجود
التالي هو رابط الملف عن المصادر الموسعة في شأن الرد على شبهات الإلحاد.
https://drive.google.com/open?id=1pky8gWA5NeilIc8wDZi3IW-ANYGAlejl